مجلة كريستال Aug 02, 2025
“الفن لا يُدرّس فقط… بل يُعاش بكل حواسنا”
إعداد وحوار: د. مها جمال – جدة
منذ أكثر من ثلاثة عقود، يضع الفنان عبد العزيز بوبي عشر بصمته الواضحة في المشهد التشكيلي السعودي، ليس فقط كفنان يمتلك رؤية خاصة، بل كمعلم وأب فني خرّج جيلاً من المبدعين. في هذا الحوار، نقترب من تجربته ونكتشف بعضاً من أسرار رحلته الملهمة.
⸻
س: بداية، نود أن نعرف متى بدأت رحلتك مع الفن؟
ج: علاقتي بالفن بدأت منذ الطفولة، لكنه لم يكن مجرد هواية. كان شيئًا أعيش به وأتعلّق به يومًا بعد يوم. مع الوقت، أصبح الفن بالنسبة لي أسلوب حياة، ولغة أتحدث بها مع العالم.
⸻
س: كيف تصف تجربتك الممتدة لأكثر من 35 عامًا في العمل التشكيلي؟
ج: هي تجربة مليئة بالتحديات، لكنها كذلك غنية بالإنجازات. تنقلت بين أساليب وتقنيات متعددة، وسعيت دائمًا لتجديد نفسي. كل مرحلة مررت بها أضافت لي شيئًا، سواء من خلال المعارض أو التفاعل مع طلابي أو حتى من تجاربي الخاصة مع اللون والخامة.
⸻
س: من خلال عملك مديرًا لصالة المركز السعودي للفنون التشكيلية بجدة، كيف أثّرت في مسيرتك الشخصية؟
ج: هذا العمل لم يكن وظيفة فقط، بل مسؤولية تجاه المجتمع الفني. قمت بتدريس الفن لأكثر من 20 عامًا، وتخرج على يدي آلاف الطلاب والطالبات. رؤيتي لنجاحهم وتطورهم كان دائمًا دافعًا لي للاستمرار والعطاء.
⸻
س: في عام 2012 فزت بالمرتبة الثانية في مسابقة “لوحة وقصيدة” بسوق عكاظ، ما الذي ميّز تلك التجربة؟
ج: كانت تجربة مميزة جدًا، لأن القصيدة التي رافقت اللوحة استُلهمت من عملي الفني، وليس العكس. هذا يُظهر كيف يمكن للوحة أن تثير الشعر والإبداع في قلوب الآخرين، وهو شرف كبير بالنسبة لي.
⸻
س: ما أبرز المعارض التي تركت بصمة خاصة لديك؟
ج: المعرض الذي أقمته في “أتيليه جدة للفنون الجميلة” كان تجربة ثرية، خاصة أنه جمع أطيافًا مختلفة من الجمهور والفنانين. كذلك معرضي في جاليري نايلا بالرياض عام 2021، حيث قدمت فيه 40 عملاً متنوعاً، كان لحظة فارقة في مشواري.
⸻
س: لوحاتك تُعرف أحيانًا بطابع “فن الشارع”… حدثنا عن هذا الجانب.
ج: أنا أؤمن بأن الفن ليس حكرًا على المعارض المغلقة. الشارع جزء من الحياة اليومية، ومن المهم أن ينزل الفنان بأعماله إلى حيث الناس. بعض لوحاتي الكبيرة كانت بمقاسات تتجاوز 5 أمتار، واستغرقت مني شهورًا من العمل المتواصل. لكنها تستحق، لأنها تتحدث إلى جمهور أوسع.
⸻
س: كيف ترى المشهد التشكيلي في السعودية اليوم؟
ج: نحن نعيش لحظة فنية ذهبية. هناك دعم كبير من الجهات الرسمية، وحضور قوي للفنانين السعوديين على الساحة العالمية. لكن التحدي الحقيقي هو الحفاظ على الأصالة وسط هذا الانفتاح، وأن يظل لكل فنان هويته الخاصة.
⸻
س: نعود إلى الجوائز… ما الجائزة الأقرب إلى قلبك؟
ج: جائزة “ملوّن السعودية” كانت لحظة فخر حقيقية، لأنها جاءت تقديرًا لأسلوبي وتجاربي التقنية المختلفة. كذلك فوزي في مسابقة المقامات عام 2014 له مكانة خاصة في قلبي.
⸻
س: ماذا عن طقوسك الفنية؟ هل لديك طقوس معينة قبل البدء في الرسم؟
ج: الصمت. أحتاج إلى لحظات تأمل قبل أن أبدأ. لا أحب الاستعجال. أحيانًا أستمع للموسيقى، أحيانًا لا. المهم أن أكون في حالة انسجام مع ذاتي واللوحة.
⸻
س: ما نصيحتك للفنانين الشباب اليوم؟
ج: أن يصبروا… الفن الحقيقي لا يُولد بين ليلة وضحاها. أن يستمروا في التعلم، وأن يتقبلوا النقد. والأهم: أن يكون لديهم ما يقولونه، لأن الفن بلا رسالة مجرد شكل.
⸻
س: أخيرًا، هل هناك مشروع جديد ننتظره منك؟
ج: نعم، هناك معرض قادم سيكون مختلفًا من حيث التقنية والمضمون. أعمل عليه بصمت منذ فترة، وأتمنى أن يكون مفاجأة جميلة للجمهور.
في حديثه، كما في لوحاته، يحمل عبد العزيز بوبي مزيجًا نادرًا من التواضع والعمق. هو ليس فقط معلّم أجيال، بل رائد مدرسة لا تزال تشكّل وجدان الفن التشكيلي السعودي المعاصر.
